وسواس اسمه النظافة
من الطبيعي أن تغسل يديك قبل الأكل، وبعده، ولكن المأساة أن تفعل ذلك عشرات المرات، وتبالغ في الاستحمام وغسل الصحون والأكواب، وتتمنى أن تغسل الهواء قبل أن تتنفسه؛ حتى تغسل الصابونة قبل استعمالها، هذه التصرفات ليست مجرد وسوسة؛ بل الأخطر أن المبالغة في النظافة تقضي على البكتيريا النافعة في الجسم التي تحمي الجهاز المناعي، وتحرمك من الفيتامينات الطبيعية، وقد تكون بداية لنفق مظلم اسمه الوسواس القهري، الذي يعذب 64 مليوناً على مستوى العالم، ويحرمهم من الاستمتاع بحياتهم.
الخوف من الآخرين يعزل الأسرة
د. سوزان أبورية، أستاذ علم الاجتماع تقول: إن الذين يعانون من الوسواس الغذائي والصحي مرضى نفسيون، يسيطر عليهم خوف التلوث، ويترجمون هذا الخوف إلى تصرفات وسلوكيات تجعلهم غير مقبولين اجتماعياً؛ فأنا مثلاً لن أوجه الدعوة لسيدة تأتي لزيارتنا، ومعها شوكتها وملعقتها الخاصة للأكل، أعتقد أنه لا يوجد أحد يمكن أن يتعامل بسهولة مع هذا النموذج غير الطبيعي.
المشكلة أيضاً أن مثل هذه النماذج تؤثر نفسياً؛ بل صحياً على من حولها؛ فيغيب الترابط الأسري والعلاقات الاجتماعية بسبب هذه التصرفات، وهو ما يؤثر بالسلب على جميع أفراد الأسرة، كما أن الأم المصابة بالوسواس تتسبب في إصابة ابنها بالأمراض المتكررة؛ فالحرص الزائد من عدم التلوث، يفقد الأبناء المناعة الطبيعية؛ إضافة إلى الجو العصبي الرهيب الذي تشيعه في البيت؛ لأنها تكون عصبية مع نفسها؛ بسبب صراعها الوهمي مع البكتيريا.
كما أن علاقة الأم بأولادها تتأثر من نواحٍ عديدة، إلى درجة أنه يمكن للأبناء أن يخجلوا من أمهم؛ فيرفضوا الذهاب معها إلى أي مطعم أو دعوة عشاء؛ لإدراكهم أنها سوف تتسبب في إحراجهم بسبب وسواسها.
أما الطامة الكبرى؛ فهي أنه لو اقتنع الأبناء بمنطق أمهم، وقلدوا تصرفاتها؛ فسوف تكون في هذه الحالة أمام أسرة كاملة من الوسواس، تعيش في حالة عزلة كاملة عن المجتمع، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر.
أضف تعليقا