من هم صنّاع تصميم عروض الازياء؟
مقارنةً بعروض المنتصف الأوّل من القرن العشرين، تقلّصت مدّة العرض من ساعتين أو ثلاث ساعات إلى ما يقارب الخمس عشرة دقيقة، ما يفسّر الدور الجديد الذي يلعبه هذا الأخير في المنافسة التسويقيّة المعاصرة، كما لدى الإنكليزيّ ألكسندر مكوين Alexander McQueen، الذي كان يعتمد على "استعراضاته" لاستمالة مشاعر جمهوره أكثر من اعتماده على مجرّد حملة دعائيّة، نقلاً عنه في مقال صادر في عدد فبراير 2007 لمجلّة Elle. ليس بعيداً عنه الثنائيّ فيكتور أند رولف Viktor & Rolf وعرض مجموعته لخريف وشتاء 2003، الذي عبقت منصّته بعبير الورود صدىً لفساتينه المرقّعة بالأزهار؛ إلى حسين شالايان Hussein Chalayan الملقّب بـ"المصمّم الأكثر رؤية".
أمّا وراء هذه العروض، التي قد تتكبّد من أجلها كُبرى الدور العالميّة ملايين الدولارات، فأنامل تعمل خلف الستارة، تحصد ما يقارب الـ20% من تكلفة كلّ عرض، منظّمةً كلّ شبرٍ وومضٍ ونغمةٍ وحركة وحتّى ابتسامة، لعلّ أبرزها تعود إلى عمالقة ثلاث في مجال تصميم عروض الأزياء، هم البلجيكيّ إيتيان روسّو Etienne Russo والفرنسيّان العارض السابق أوليفييه ماسّار Olivier Massart وألكساندر دو بوتاك Alexandre de Betak، الذي في رصيده أكثر من 800 عرض. من مهمّة الإخراج الفنّي إلى إنتاج الحدث، هم الذين يختارون مكان العرض والعارضات ومصفّفي الشعر وخبراء التجميل وتقنيّي الصوت... حتّى أنّهم ينظّمون مرور العارضات أمام عدسات المصوّرين في الكواليس. وفور انتهاء كلّ عرض، يتوجّهون إلى المدير الإبداعيّ للدار المعنيّة للتخطيط سويّةً لمفهوم عرض مجموعة الموسم القادم.
أمام جدارٍ من الكاميرات في بثٍّ مباشر من عواصم الموضة إلى كافّة أرجاء المعمورة، تُنقَل وتُسجَّل أدقّ تفاصيل العرض، موضوعةً تحت مجهر ملايين من المشاهدين وخبراء الموضة، عبر "شريطٍ مصوَّر [في دقائق معدودة]، في لقطةٍ واحدة، حيث لا مجال للخطأ"، على حدّ قول أوليفييه ماسّار في إحدى مقابالاته؛ ما يفسّر تطوّر "إخراج" عرض الأزياء العصريّ من الثمانينيّات، على أيادي المصمّمين ذواتهم، أمثال تييري موغلر Thierry Mugler وجان-بول غوتييه Jean-Paul Gaultier، إلى حقبة الألفيّة الثالثة، التي أوجبت الاستعانة بفنّانين اختصاصيّين في هذا الشأن، لتلبية ضخامة حدثٍ أصبح عليه عرض الأزياء اليوم، مثالٌ عليه تحويل كارل لاغرفيلد Karl Lagerfeld ملاذّ عروضه، Le Grand Palais، إلى مطارٍ جالت فيه عارضاته لتقديم مجموعة Chanel لربيع وصيف 2016.
بالفعل، مع نموّ ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعيّ، على رأسها الإنستغرام Instagram، وتربّع مدوِّنات الموضة في الصفّ الأوّل لالتقاط "برهات" من العرض وبثّها للعلن في فيديوهات لا تتعدّى الثواني، مكان شخصيّات كـ كاترين دونوڨ Catherine Deneuve لدى Yves Saint Laurent كنّ ضيفات شرف دائمات للدور العريقة، أُعيد النظر في سيناريو عرض الأزياء والإضاءة المستخدمة فيه لتلبية الصور الفوريّة الملتقطة بنوعيّة عالية. والنتيجة عروض أزياء ذات مضمون غايةً في الكثافة. واقعٌ قمع إبداع بعض المصمّمين، دافعاً بالعديد منهم إلى الاكتفاء بعرضين في السنة، يضمّان الأزياء النسائيّة والرجاليّة في مجموعة واحدة لكلّ موسم، ومعرّضاً الخياطة الراقية على وجه الخصوص لخطر تبديل هويّتها لحاقاً بقطار الإعلام والعولمة.
هذا الواقع نفسه هو الذي يعزّز اليوم دَور متاحف الفنون والأزياء، مثل Metropolitan Museum of Art، في رسم هالةٍ لأيقونات العلامات الفاخرة وتكريسها خارج عجلة الزمن في عروضٍ من نوعٍ آخر.
إقرئي أيضاً:
أضف تعليقا