في يوم المرأة العالمي 2019 .. ملهمات صنّاع الترف من عبق الزمن الجميل
في ظلّ فوران مؤثّرات الموضة الافتراضيّات على منصّات التواصل الاجتماعيّ وتربّع بعضهنّ على عرش إلهام نخبة من مبدعي صناعة الترف، يجتاح عشّاق الزمن الجميل شوقٌ لقلب صفحات أرشيف عالم المجوهرات والأزياء الفاخرة، بحثاً عن نجمات صفّ أوّل من صلب الواقع ألهمن صنّاعه، وإنْ كان أثر بعضهنّ يختفي اليوم خلف ضبابيّة صور قديمة بالأبيض والأسود، إنّما ليزيد من حدّة غموضهنّ، مصدر إلهامهنّ. إلى البداية القديمة-الجديدة...
تاريخ الملهمة
ما هو سرّها؟
لطالما لفّها الغموض ودار حولها السؤال: "ما هو سرّها؟"... سؤالٌ لا جوابَ عليه، إذ يكمن السرّ في كائنةٍ بكلّ أبعادها الكيانيّة... الملهمة هي حياةٌ تنبض باستمرار وهويّةٌ مجبولةٌ بتاريخ من الأحاسيس والأحداث، لا مقياسَ نمطيّاً لملامحها وقوامها، تهمس في قلب الفنّان، هو الكائن الآخر، فيحدث ما يُسمّى بالإبداع. لكنّ فيها أيضاً شيئاً يتخطّى مقامها البشريّ، في عين المبدع، لعلّ تفسيره داخل الميثولوجيا الإغريقيّة، في أوّل ظهور لمفهوم الملهمة والإلهام منذ آلاف السنين.
إلى البداية من على قمم بييريا اليونانيّة، حيث أبصرت النور "الملهمات التسع" من زواج أب الآلهة لدى الإغريق، زيوس، وإلهة الذاكرة، منيموزين. كنّ يفِضن جمالاً ويسحرن الطبيعة بألحان قيثاراتهنّ العذبة، وكانت كلٌّ منهنّ تمثّل وتحمي شكلاً من أشكال الفنون. بعد طول غياب، ألهمن مجموعة المجوهرات الفاخرة MVSA من دار بولغاري BVLGARI للعام 2014، تكريماً لجذور مؤسّسها Sotirios Voulgaris اليونانيّة.
عالم صناعة الترف وملهماته
حتّى وقتٍ طويل، ظلّت الملهمة رفيقة الشعراء والرسّامين والنحّاتين، ولم يتجلَّ ظهورها في فلك الموضة والمجوهرات إلّا في عصرنا الحديث، الذي شهد قيام ما يُعرف اليوم بـ"دار" المجوهرات الفاخرة وقيام إمبراطوريّة الخياطة الراقية وفصلها عن خطّ الأزياء الجاهزة، إلى ابتكار مفهوم عرض الأزياء، ومنه مفهوم العارضة-الملهمة، وأمثلتها كثيرة، لعلّ من أبرزها في القرن العشرين إنيس دو لا فريسّانج Inès de la Fressange. أمّا المنصّة الأخرى التي أطلّت منها، فكانت الشاشة الذهبيّة في شخصيّات نجمات أتقنّ لغة الجمال في أعمالهنّ الفنّيّة، مثل الأميركيّة أودري هيبورن Audrey Hepburn، ليبصمن مسيرات مصمّمين كبار؛ ومنهنّ مَن أَوحين بعد غيابهنّ العديد من مجموعات الأزياء، في ظلّ تسارع وتيرة الإنتاج بمعدّل أربع وخمس مجموعات سنويّاً، والذي يتطلّب المزيد من الإبداع في وقتٍ قياسيّ، وبالتالي المزيد من مصادر الإلهام.
مؤثّرات الموضة الافتراضيّات
هذا الواقع، وبالتزامن مع اكتساح مواقع التواصل الاجتماعيّ ساحة الموضة، قد دفع ببعض الدور والمصمّمين إلى اللجوء إلى مؤثّرات الموضة الافتراضيّات كمنبع يستقون منه وحيهم. ربّما أحدثهنّ الألمانيّة نونوري Noonoouri، ذات الـ18 من العمر، بطولٍ لا يتعدّى المتر وخمسين سنتم، المقيمة في باريس، من ابتكار وكالة Opium العالميّة للتصميم والتسويق، وقد أدارت حساب ديور Dior على إنستغرام، في 25 مايو 2018، بتكليفٍ من مديرة الدار الإبداعيّة ماريا غراتسيا كيوري Maria Grazia Chiuri، بمناسبة عرض مجموعة Resort 2019، فكانت نجمته.
غموضٌ عصريّ يُضاف إلى صفات الملهمة، ويكمن في افتراضيّة وجود هكذا مؤثّرات وفي الاحتمالات التي تبعث عليها؛ ونوعٌ جديد من الترويج المبهر لعلامات فاخرة عبر منصّات تتوجّه إلى العامّة بدلاً من النخبة، حيث المباح مرغوب، و"المختبر (الذي كان يفضّل دو جيفنشي De Givenchy) أن يحتفظ بغموضه"، ويعني به دار الخياطة الراقية، امتداداً إلى عروضها في الصالونات المقفلة، بات اليوم من صفحات ماضي زمنٍ جميل.
Jeanne Toussaint x Louis Cartier
الملهمة-الشريكة Panthère Dame
هي النمر في كلّ ساعة أو قطعة حليّ مختومة بختم إمبراطوريّة صناعة المجوهرات والساعات الفرنسيّة كارتييه Cartier... ولوحة Dame à la Panthère ليست سوى سيّدتها. لوحة من توقيع الرسّام الفرنسي جورج باربييه Georges Barbier، استُخدمت بدايةً كدعوة لمعرض يكشف عن أوّل قطعة تحمل ترقيط النمر بالأسود والأبيض عام 1914 ومنفّذة بتقنيّة التنقيط، التي تتغنّى الدار ببراءة اختراعها، قبل أن تتصدّر اللوحة واجهة إعلاناتها.
جان توسّان Jeanne Toussaint صديقة وملهمة وشريكة لمؤسّس الدار لويس كارتييه Louis Cartier. تبوّأت منصب المديرة الإبداعيّة للمجوهرات الفاخرة في الدار عام 1933، وعلى مدى أعوام، طوّرت تقنيّة التنقيط، لتغدو مثال المرأة-النمر بأناقتها المتحرّرة وأنوثتها المتمرّدة لعميلات تألّقن في الأضواء على مدى عقود وما زلن، نذكر منهنّ الأميرة نينا آغا خان Nina Aga Khan والممثّلة المكسيكيّة ماريا فيليكس María Félix.
Audrey hepbrun X Hubert de Givenchy
الثنائيّ الأيقونيّ Les Inséparables
يكفي أن نلمح مسوّدة من مسوّدات المصمّم القدير أوبير دو جيفنشي Hubert de Givenchy حتّى يرتسم أمامنا ظلّ تلك التي كانت ستصبح يوماً ما راقصة باليه، لولما شاءت الأقدار أن يلتقيا...
بعد أن رفض كريستوبال بالنسياغا Cristóbal Balenciaga مقابلة الممثّلة أودري هيبورن Audrey Hepburn تلبيةً لطلبها بتصميم أزياء لدورها في فيلم Sabrina الذي أُطلق عام 1954، من "المعلّم" توجّهت الأخيرة إلى "التلميذ"، الفرنسي المرهف أوبير دو جيفنشي. على أنّ هذا الأخير كان يتوقّع "الآنسة هيبورن" الأخرى، Katharine Hepburn، إلّا أنّ خيبة أمله لم تطل في حضور الباليرينا الأنيقة، حتّى شكّلت وإيّاه ثنائيّاً لم يعرف الفراق. يشهد عليه اعتزاله سنة 1995، عامَين فقط على رحيل رفيقة دربه؛ وأخيراً الكتاب الذي أهداه إلى أيقونته عام 2014، وعنوانه To Audrey with Love ("إلى أودري مع حبّي").
الأنوثة الرزينة، رمز أعماله وكلمة السرّ التي تجمعه بـ أودريه هيبورن ذات قوام الباليرينا الممشوق، لعلّها هي مصدر وحي كلّ تناغم كان يصبو إليه المبدع الفرنسيّ، الذي تأبى ملهمته حصره بصفة "المصمّم"، ليتعدّاها بنظرها إلى "مبتكر شخصيّة". زواج إبداعي لا تجد فيه الملهمة نفسها إلّا في أزياء تحمل توقيع مصمّمها، باعترافها الشحصيّ. ونجم هذه الثنائيّة الأيقونيّة الفستان الأسود الذي صمّمه دو جيفنشي لـ هيبورن لدورها في فيلم Breakfast at Tiffany's عام 1961، والذي يُعَدّ الفستان الأسود الصغير LBD الأشهر على الإطلاق.
Inès de la Fressange x Karl Lagerfeld
العارضة الحصريّة The Exclusive Model
شبهها الخارق لمؤسّسة الدار كوكو شانيل Coco Chanel قاد المصمّم كارل لاغرفيلد Karl Lagerfeld إلى التوقيع معها على عقد عرض أزياء حصريّ هو الأوّل من نوعه في تاريخ دور الخياطة الراقية، وذلك فور تسلّمه منصب مدير Chanel الإبداعيّ عام 1983.
إنيس دو لا فريسّانج Inès de la Fressange نجمٌ سطع في الثمانينيّات ولم يأفل: باريسيّة حتّى أطراف الأنامل، شعرٌ داكنٌ قصير، يداعب بفوضويّة مرهفة هامةً تغلب عليها رسمة عينين واسعتين، ذات نظرة غامضة تخاطب ناظرها بأرستقراطيّةٍ باردة، ختام إطلالتها سترة تحمل بصمات مصمّمة الدار الأولى. حتّى العام 1989 كانت سفيرة العلامة ونبض ريشة صاحب النظّارات السوداء، حين افترقا كما يفترق العشّاق، بعد أن أدان عرضها لشخصيّة ماريان Marianne، رمز الثورة الفرنسيّة، إنّما أيضاً رمز "البُرجوازيّة"، نقلاً عنه، المناقضة لصورة العلامة الفاخرة.
بعد عقدين من الفراق، عادت إنيس في إطلالة استثنائيّة على منصّة عرض Chanel للأزياء الجاهزة لربيع وصيف 2011، كأنّ بمنبع إلهامها لم ينضب في مخيّلة مصمّمٍ كبير ودارٍ عريقة.
Jane Birkin x Jean-Louis Dumas
ملهمة حقيبة The Namesake of a Bag
رقيقةٌ، بل غامضة، اشتهرت بصوتها الطفولي ذات اللكنة البريطانيّة، والأكثر منه بحقيبتها، كناية عن سلّة قشّ تقليديّة رافقتها في كافّة تنقّلاتها، حتّى في إطلالتها على السجّادة الحمراء برفقة حبّ حياتها، الفنّان سيرج غينسبورغ Serge Gainsbourg.
عام 1981، على متن رحلة من باريس إلى لندن، كان اللقاء الأسطوري بين المغنّية والممثّلة جاين بيركين Jane Birkin ورئيس دار هيرميس Hermès، جان-لوي دوما Jean-Louis Dumas. سحرته بإطلالتها الأنثويّة المتّسمة بالبساطة وبحقيبتها المميّزة... اشتكت له، دون أن تعرف هويّته، عن الصعوبة التي كانت تجدها في جمع أغراضها وأغراض ابنتها شارلوت Charlotte في حقيبة واحدة. فتحدّاها بمرح في رسم مسوّدة لنموذج علّه يحقّق أمنيتها، وبدورها بدأت بالرسم، تلاه عدّة لقاءات ومسودّات بين "الشريكين"، حتّى انبثقت الحقيبة الأيقونيّة Birkin من Hermès، الأولى التي تحمل اسم شخصيّة مشهورة ومن ابتكارها الخاصّ. حقيبةٌ تمضي عاشقاتها زهاء 6 سنوات على لائحة الانتظار لاقتنائها، هي الممهورة على يد الحرفيّ نفسه، الذي يختمها بتوقيعه.
اقرئي أيضاً:
إطلالات كيت ميدلتون بفساتين شتوية
بالصور.. احدث جلسة تصوير لـ ياسمين صبري
مشاهير يعتمدون صيحة الحمار الوحشي بألوان الربيع.. هل أعجبتك؟
أضف تعليقا