يبدو أن نتيجة الممارسات الضارة على غرار الصيد الجائر والتلوث البحري، وزيادة استهلاك اللحوم والتصدير، بات القطاع مهدداً، لذا لجأت بعض الدول إلى خيار الاستزراع السمكي حتى تضمن استدامته.
يقصد بالاستزراع السمكي تربية أنواع من الأسماك وإخضاعها للتكاثر في حيز معين أو في المياه المفتوحة كالأنهار، أو برك المياه، ضمن ظروف بيئية مناسبة تحت سيطرة الإنسان، من أجل تحقيق أهداف اقتصادية، واجتماعية، وبيئية، لتطوير الإنتاج السمكي.
وإلى نحوٍ أبعد من واقع تحقيق الاستفادة المثلى من الثروة السمكية، كانت حكاية بداية الاستزراع السمكي في السعودية. إذ بدأت قبل نحو ثلاثة عقود ونصف، أي 35 عاماً، نتيجة توصيات هيئات دولية قدمت للبلاد ضمن دراسة وضع الثروة السمكية فيها لتبدأ حينها أولى خطوات التعاون مع تلك الهيئات على غرار منظمة الأغذية والزراعة الدولية "الفاو" لإنشاء مركز المزارع السمكية، في جدة عام 1982.
وبعد إنشاء مركز المزارع السمكية، الذي بات يسمى فيما بعد "مركز أبحاث الثروة السمكية بجدة"، لدراسة الأنواع المحلية المناسبة للاستزراع المائي من الأسماك، وإدخال تقنيات التفريخ والاستزراع، وتدريب الكوادر الوطنية، ودراسة المواقع المناسبة للاستزراع المائي، بدأت المملكة أولى ملامح الارتباط العملي بملفات الاستزراع، وتطوير مشروعات صناعته.
وكانت الغاية الواقعية للمشروعات التي بدأتها السعودية قبل نحو أكثر من ثلاثة عقود حتى تعززت استثماراتها في القطاع، هي دعم قطاع الاستزراع المائي لزيادة مساهمته في إجمالي الناتج الوطني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والإسهام في الأمن الغذائي، وتغطية احتياجات الأغذية البحرية، وتنويع مصادر الدخل، وخلق فرص عمل.
وما يدفع السعودية نحو الاتجاه إلى الاستزراع السمكي، ودول أخرى على غرارها، أن تربية الأسماك باتت ضرورة اقتصادية بعدما تراجعت كمية الثروة السمكية نتيجة الصيد الجائر، والطلب اللافت لسد احتياجات الأسواق، ولا ننسى أيضاً التلوث البحري، لتبرز الأهمية الخاصة بضرورة التطور في عملية الاستزراع السمكي عن طريق استخدام أحدث الوسائل التقنية.
الاستزراع نصيب لافت
وفي الوقت الذي تستقبل الرياض شركات أسماك عالمية وجامعات مشاركة في المعرض السعودي الدولي للثروة السمكية، استحوذ ملف الاستزراع المائي وخياراته وتقنياته نصيبا لافتا من اهتمام المستثمرين والمشاركين، فعلى سبيل المثال تعد جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" إحدى المؤسسات العلمية الفاعلة في سياق قضايا الاستزراع، إذ تتمتع بتوافر مشروعات بالشراكة مع وزارة البيئة والمياه والزراعة لتأمين مستقبل هذا المصدر الغذائي الحيوي.
130 ألف طن معدل الإنتاج
فيما يبلغ معدل إنتاج الاستزراع السمكي في السعودية نحو 120 إلى 130 ألف طن سنوياً، فيما تُصدر 80 ألف طن منها نحو الخارج، حسب تقديرات الدكتور أسعد محمد حسن، مدير برنامج تطوير الاستزراع المائي في جامعة كاوست، لافتاً إلى أن برنامج الاستزراع المائي في السعودية يعد أهم برامج الرؤية التنموية 2030 من أجل زيادة إنتاج المأكولات البحرية إلى 530 ألف طن، بحلول موعد تحقيق الرؤية.
ويقول لـ"العربية.نت": "إن الاستزراع السمكي يعد ضمن الصناعات النامية بسرعة، كما يدعم ملف الأمن الغذائي في السعودية، نحن في كاوست مثلاً استفدنا من تجارب الدول السابقة في المجال ذاته من أجل استخدامها وتطبيقها في بيئة البحر الأحمر لمعرفة مدى تكيفها، حتى بات لدى السعودية أسماك محلية مستحدثة على غرار " السبيطي - البومبانو – الهامور نتيجة الرغبة في توافر استزراع سمكي ضمن مبادرات الرؤية التنموية للبلاد 2030".
التعريف بالقيمة الغذائية
ويضيف أن جزءا من عناصر الجذب للمشروع اللافت للاستزراع السمكي لديهم في كاوست التعريف بالفوائد الصحية والقيمة الغذائية للمأكولات البحرية، بجانب الحث على تناولها وزيادة استهلاك الفرد منها؛ من 9 كغم إلى 13 كغم، فضلاً عن تكثيف الوعي بأنواع الأسماك المنتجة محلياً، وإبراز جودتها مقارنة بالأسماك المستوردة، بجانب تعظيم قيمة الموارد المائية في البلاد.
ندرة الثروات البحرية
ويشير الدكتور أسعد محمد، مدير مشروع الاستزراع السمكي إلى أن ارتفاع الطلب اللافت تجاه الأسماك البحرية نتيجة الصيد والاستهلاك أحدث ندرةً في الثروة البحرية وبالتالي تضخم الأسعار، ما خلق فجوات في العرض والطلب، لذا فإن الاستزراع المائي بات ضرورة لتقليص هذه الفجوات، ناهيك عن أهميتها في توفير الأغذية الطازجة بجودة عالية، حسب قوله.
120 ألف طن
من جهته، يقدّر هشام باعباد، المدير الفني للجمعية السعودية للاستزراع المائي، معدلات إنتاج الاستزراع السمكي في السعودية بـ 120 ألف طن، فيما من المتوقع وصول نسب الإنتاج بمجرد تحقيق مستهدفات الرؤية عام 2030 إلى 500 ألف طن، مشيراً إلى أن الاستثمار في القطاع يحمل فرصاً لافتة خاصة مع توافر نسب العرض والطلب سواءً في الوقت الراهن، أو مستقبلاً.
أكثر من 300 مشروع
ويقدّر عدد المشروعات المرخصة للاستزراع السمكي في السعودية بأكثر من 300 مشروع تتنوع بين مشروعات المياه الداخلية، أو الأقفاص العائمة أو مشروعات الروبيان على الساحل، فيما تتنوع ما بين مشروعات منتجة وأخرى قيد الإنشاء.
التصدير لـ 35 دولة
وفي المقابل، يشير باعباد إلى أن السعودية نجحت، حسب قوله، في استزراع بعض الأصناف من الأسماك التي لا تتواجد أساساً في البلاد مثل بعض أنواع الروبيان المقاوم للأمراض، الذي أصبحت السعودية تصدره إلى 35 دولة حول العالم، فضلاً عن سمك "الدنيس"، الذي يكاد يندر وجوده في البيئة المحلية، غير أن غالبيته باتت متوافرة الآن في مشروعات الاستزراع في البحر الأحمر، وأصبح يغطي معظم طلبات استهلاك السوق المحلية.
وفي سياق حديثه، يشير إلى أن مياه البحر الأحمر تتمتع بالنقاء، ودرجات ملوحة معينة، فضلاً عن درجات الحرارة أيضاً، وتعد معطيات مساعدة تعزز قابلية استزراع أسماك جديدة في المشروعات المحلية.
جملة تحديات
ويلفت هشام باعباد المدير الفني للجمعية إلى أن جملة تحديات الاستزراع تتلخص في الأمراض والفيروسات، بجانب التسويق، وسلاسل الإمداد، بيد أن هناك خيارات لإيجاد حلول تطرحها البرامج الحكومية على غرار البرنامج الوطني للثروة الحيوانية والسمكية، والجمعيات التعاونية، والجامعات.
مختبرات تضمن الجودة
من جهته، يقول ماجد العسكر، الأمين العام، إن الجمعية تعد ذراعاً فنياً مسانداً لوزارة البيئة والمياه والزراعة، إذ تتوافر لدينا مختبرات فنية للتأكد من جودة وسلامة عينات الأسماك وبيئتها، مثل برك المياه، والتربة، وبعدما تخضع تلك العينات إلى التحليل والمتابعة في مختبراتنا التي تقع في جدة، والقطيف، نقدم تقاريرنا إلى الوزارة لكي تتخذ الإجراءات المناسبة تجاه بعض المشروعات.
250 مزرعة
ويؤكد الأمين العام لجميعة الاستزراع المائي، في السياق ذاته، أن عدد مزارع الأسماك في السعودية يبلغ نحو 250 مزرعة، قابلة للزيادة، مشيراً إلى أن الجمعية ذاتها بصدد إنشاء 3 متاجر جديدة في العاصمة الرياض لبيع الأسماك بطريقة مخفضة ومختلفة.
تأثيرات اجتماعية
في المقابل، ربما لا يتخيل البعض أن للاستزراع السمكي تأثيرات اجتماعية معيّنة، فحسب ما تقول الجمعية ذاتها إنه يحد هجرة غالبية أبناء القرى والهجر الساحلية النائية المنتشرة على طول سواحل البلاد إلى المدن الكبيرة للبحث عن فرص العمل، إذ توفر مشروعاته الخاصة فرص عمل لأبناء تلك المناطق.
وتشير الجمعية في سياق منشورات أطلعت عليها "العربية نت" إلى أن أكثر العاملين استقراراً في تلك المشروعات هم أبناء المناطق القريبة من تلك البرامج لقربهم من أسرهم، ومجتمعاتهم، فيما تؤدي دوراَ لافتاً في ملفات المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمعات المحلية، إذ تقيم الفعاليات البيئية، والترفيهية، والتعليمية، لسكان تلك المناطق.
أهمية أمنية
وبالنسبة للأمن فإنه لا ينفصل عن سياق التأثيرات السالف ذكرها، إذ تتوقع الجمعية أن تساند تلك المشروعات خاصة الأقفاص العائمة قطاع حرس الحدود في مراقبة وحماية الشواطئ، والمناطق الساحلية للبلاد، إذ تتمتع بأنظمة مراقبة لافتة من أجل إجراءات الأمن والسلامة الخاصة بنطاق المحمية مثلاً، وبالتالي فإنه بوسع الجهات الأمنية الاستفادة منها في متابعة سواحل البلاد، لا سيما أن تلك البرامج الاستزراعية تتركز بعضها في مناطق بحرية فضاء غير مأهولة عادة ما تكون الأنسب للتسلل والاختراق.
وبالعودة إلى قضايا الاستزراع فإن السعودية تسعى إلى تطوير القطاع والمنافسة به عالمياً؛ نظراً لكونه قطاعاً واعداً ومؤثراً على التنمية وداعماً للاقتصاد الوطني، إذ يعد ضمن القطاعات الغذائية الأسرع نمواً بمعدل 6% سنوياً.
وتحقق السعودية عبر القطاع التنمية المستدامة والأمن الغذائي، وتغطية احتياجاتها من الأغذية البحرية، وتنمية المناطق الريفية الساحلية، والحد من هجرة السكان إلى المدن الكبيرة، إضافة إلى المحافظة على الموارد الطبيعية من خلال تخفيف الضغط عن المصايد.
ويمتلك قطاع الاستزراع المائي مجالاً كبيراً للنمو لتمتع البلاد بموارد طبيعية وافرة على امتداد الخط الساحلي البالغ طوله أكثر من 2.600 كيلو متر، فضلاً عن امتلاكها قدرة استيعابية لـ 5 ملايين طن من الأسماك.
المصدر: موقع العربية
أضف تعليقا