تاريخ الزي التراثي السعودي
في يوم التأسيس نظرة على تاريخ الزي التراثي السعودي.. لبسنا يوم بدينا
تمثّل الأزياء دوماً الحقبة الزمنية التي خرجت منها، فالأزياء ما هي إلا انعكاسٌ لكلّ التفاصيل والأفكار التي يمرّ بها الإنسان. فمن المعلوم أن الحضارة الإنسانية هي ما خلفه أجدادنا من علم وأدب وتقاليدٍ وحتى ملبسٍ، وفي هذا السياق تتّسم أعمال صنّاع الموضة في السعوديّة مؤخراً، بالدمج بين الماضي والحاضر والدعوة لإحياء التراث بطريقة عصريّة، وابراز جمال الزي التراثي السعودي فكما يقال: من ليس له ماضٍ ليس له حاضر، ولكن يا تُرى ما هو حال بيوت الحرف التقليدية؟ وما هو رأي الجيل الجديد بالأزياء التقليدية؟ز
"الجميلة" تعرض واقع الحرف اليدوية المرتبطة بالأزياء التقليدية بمناسبة يوم التأسيس السعودي، وسبل تطويرها والمحافظة عليها في التحقيق التالي:
أهم الحرف اليدوية في السعودية: السدو
أماني الوزير مشرفة على مركز سليسلة لتطوير التراث السعودي تقول: "إنّ تراثنا هو خيط يروي آباءنا، ليربط الحاضر بعبق مستقبل أبنائنا، فيدفعنا الحنين والتعلّق بالماضي، إلى إعادة إحياء المهن التقليدية التي كانت معروفة قديماً. وتملك المملكة العربية السعودية تراثًا وطنياً طويلاً من العراقة والحضارة العربية القديمة، حيث يتمركز عدد من الصناعات والمهن الحرفية التي ما زالت تقدّم فنّاً مستقلّاً بذاته. فمن أهمّ الحرف اليدوية التي اشتهر بها أهل البادية حرفة السدو. وتعتمد هذه الحرفة على مواد وأدوات معيّنة، منها وبر الأبل وصوف الماعز والأغنام إضافة إلى المغزل والمخيط والأوتاد الخشبية. وعلى الرغم من أنّ هذه الحرفة كان يمارسها الرجال والنساء على حدّ سواء، إلا أنّ النساء أشدّ إتقاناً وبراعة في هذه الحرفة من الرجال، وهي حرفة وصناعة أصيلة بكلّ ما للإصالة من معنى".
تضيف: "تتنوّع مصادر النسيج وفقاً لاستخداماتها، وتشير المصادر التاريخية إلى تمركز صناعة النسيج في المنطقة الشرقية منذ القدم، ومن أشهر المنتجات النسيجية هي البشوت وبيوت الشعر والمفارش والأغطية والجوارب. وتعتبر مدينة الإحساء في المنطقة الشرقية هي الموطن الأساسي لصناعة البشوت في السعودية، ومن أشهرها البشت الحساوي، وهو من أجود أنواع البشوت".
تراث المملكة غني بالتطريزات والحبكات
د.رانية فاروق جميل خوقيرمصممة الأزياء التراثية والعالمية، وخبيرة التراث ورائدة الأعمال في مجال تصميم الأزياء والحفاظ على التراث الملبسي تشير إلى أن" المملكة تنقسم إلى خمس مناطق، وكلّ واحدة منها تتميّز بتطريزات وحبكات تختلف عن الأخرى، والاختلاف موجود حتّى في القبيلة الواحدة. وتتميز مثلاً المنطقة الغربية بالتطريز "المكثّف" الغزير، والتطريز التلي، وتطريز القصب بالذهب والفضّة. أمّا القبائل فكانوا يتميّزون بالزخارف النباتية والهندسية، وبعضهم كان لديهم الزخارف الكتابية. وأكثر الغرز اليدوية التي تميّزت في السعودية هي: غرزة السلسلة، غرزة النباتية، غرزة الفرع، اللقطة، الحشو، رجل الغراب، البذرة.
ومن أشهر التطريزات في المملكة: تطريز الخرز وخرز الفضة والخرز الملون، و التطريز باللؤلؤ، التطريز بأزرار الصدف، والتطريز بالعملات المعدنية.
وتضيف قائلة: "أما بالنسبة للنسيج: فقد أشتهر نسيج السدو وهو عبارة عن تداخل خيوط اللحمة العرضية مع خيوط السدة الطولية، وله أنواع بحسب تشكيل نسجه، وهو أسلوب كان يستخدم لنسج الخيم والمفارش للقطع الجمالية التي كانت تستخدم في المنزل. والسيدة البدوية القبلية هي التي كانت تصنعه، أما السيدة الحضرية، فإنّها تحبّ شغل التطريز والإبرة، والكروشيه، وشغل الآجور: وهو تنسيل الخيوط "أي تفريغها" بفك الخيوط العرضية وتطريزها. وهناك قماش اشتهرت به منطقة نجد، وهو القماش المتفت، هو عبارة عن قطع أقمشة ملوّنة مركّبة بجانب بعضها البعض".
أسباب تسمية التطريزات والحبكات
تتابع د.رانية قولها بأنّه: "معظم مسمّيات الملابس والتطريزات في السعودية، تحمل اسم مظاهر البيئة التي حولها وليس اسم المنطقة، والسبب في ذلك يرجع لعدم وجود تقسيمات إدارية في ذلك الوقت. فمثلاً ثوب درفة الباب سمّي بهذا الاسم، لأنّ شكل التطريز الموجود بالثوب يشبه التطريز الموجود على درفة الباب، و أيضاً الثوب المكمّم سمّي بهذا الاسم لأنّ التطريز فقط مشغول على الأكمام، وهكذا"...
الحرفيون موجودون ولكن...
تكمل د.رانية خوقير حديثها بقولها: "الحرفيون موجودون وقد بدأت الجهات تستقطبهم مرّة أخرى، في المهرجانات التاريخية كسوق عكاظ والجنادرية. ولكن هذا وحده لا يكفي لأنّ العاملين بالحرف التراثية اليدوية من الرجال والنساء، هم كبارٌ جداً في السن، لذلك يجب حفظ التراث بأن يتمّ استثمارهم بالمراكز التدريبية كي يكون هناك صلة وصل مع الجيل الجديد، ولحفظ الموروث الذي خبروه".
تواصل بين بيوت الحرف التقليدية ومصمّمي الأزياء
وعن تواصل بيوت الحرف التقليدية مع مصممي الأزياء تقول أماني الوزير: "لدينا في مركز سليسلة لتطوير التراث السعودي، تواصل مباشر مع العديد من المصمّمات السعوديات، إذ نعمل معاً لوضع خطوط إنتاج جديدة بنفس رؤية وأهداف المركز، كما في المجموعة التي أطلقناها باسم مجموعة "العقال"، وذلك لأنّ مركز سليسلة يتميّز بالتصاميم الإنتاجية الحرفية والابتكار. كما تتميّز الأعمال اليدوية بجودة عالية بسبب كفاءة البرامج التدريبيّة. وقد تمّ تصميم العديد من الأزياء المطوّرة من النسيج لكلّ منطقة من مناطق المملكة بأسلوب عصريّ مطوّر، وشاركنا به في عروض الأزياء داخل السعوديّة وخارجها".
طرق الحفاظ على الحرف اليدوية والتراثية
مي طيبة مدير عام أكاديمية نفيسة شمس تقول: "من واقع خبرتنا في الأكاديمية ومن خلال برنامج عمل المرأة من المنزل، فإنّ أي حرفة يدوية يمكن الحفاظ عليها بتطويرها، بما يتماشى مع احتياجات السوق ومتطلّباته، وذلك بطريقة عصرية ومع تصاميم مبتكرة، وهي الطريقة الأمثل لإنتاج كمّيات كبيرة من المنتجات الحرفية وضمان انتشارها بشكل أوسع في الأسواق المحلّية والدولية.
وقد قمنا بالتوجّه لدمج بعض من الحرف اليدويّة في تصميم منتج واحد، مثل صناعة سجاجيد الصلاة، باستخدام فنّ الأبليكات وهو دمج مجموعة القطع النسيجية المنتَجة بشكل حرفيّ قديم، ومخرَجة بتقنية حديثة؛ وكذلك صناعة السبح بخامات جديدة ومبتكرة مثل سبح خشب العود. بل وتوجّهنا مؤخراً إلى تحويل مخرجات بعض الصناعات الحديثة إلى مخرجات حرفية بقالب حديث مثل أطباق الشوكولاته والتمر الزجاجية والنحاسية، إلى أطباق مغلّفة بأقمشة السدو والجلود.
الموضة والأزياء هي نوع من حفظ التراث
رنا ريري مصمّمة أزياء سعودية تقول: "مهما تطوّر التطريز بالآلات الحديثة، ليس لنا غنىً عن التطريز اليدوي، لأنّه أصيل ومتين وفيه إحساس قريب من القلب واحترام لتراثنا، فمثلاً أنا متخصّصة بتصميم فساتين الزفاف والسهرات العصرية، ولكن لا يهنأ لي بال حتى أدخل النفحات الشرقية التراثية من تطريز القصب والحر وخيوط الحرير والخرز واللؤلؤ والسيلان. لذلك أرى بأنّه من المستحيل أن يستغني أيّ مصمّم عن التطريز اليدوي. وهذا يترتّب منه عدم اندثار الحرف اليدوية المتعلقة بها، وذلك بسبب خيال مصمّمي الأزياء الذي لا تستطيع أي آلات حديثه مجاراته.
تابعي أيضاً:
3 مصممات سعوديات وصلن الى العالمية |
أضف تعليقا