قام أكاديمي سعودي بإقتراح إعادة الحياة لعين زبيدة وإقامة متحف خاص لها وإنشاء محمية للمنطقة تسمى محمية زبيدة وتهدف هذه المحمية إلى حماية وإنماء حوض الوادي والحد من تدهوره البيئي وازدهار طبيعته النباتية والحيوانية.
أستاذ الآثار الإسلامية المساعد ووكيل كلية السياحة والآثار للتطوير والجودة في جامعة الملك سعود، الدكتور محمد السبيعي، أكد خلال حديثه لـ"العربية.نت": أصبح من المهم البدء بتنفيذ مشروع إعادة إعمار عين زبيدة كمعلم تاريخي بارز، ومصدرا مهما لتغذية وتزويد مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بمياه الشرب، وإنشاء محمية طبيعية للوادي، واعتباره منطقة تأهيل وتطوير خاصة تحت إشراف الهيئات الحكومية ذات العلاقة، وذلك نظراً للإنجاز العظيم الذي قامت به السيدة زبيدة في الوادي وصرف الأموال العظيمة في إنشاء العين حتى جرت بماء وفير انتفع به أهل مكة والحجاج على مدى أكثر من 1200سنة.
أهمية عين زبيدة
وقال السبيعي: تُعد عين زبيدة من أهم العيون التي قامت السيدة زبيدة (145-216هـ/762-831م) بإجرائها من الحل إلى مكة المكرمة، فعندما علمت بما يعانيه أهل مكة وحجاج البيت الحرام، بسبب عدم تيسر الحصول على مياه الشرب أمرت في سنة 194هـ/809م بعمل بركة في مكة، وأجرت لها عيناً، فجر بماء قليل، ليس فيه ريُّ لأهل مكة، فأمرت المهندسين أن يُجْروا لها عيوناً من الحل، فأرسلت من الأموال العظام ما لم يكن تطيب به نفس كثير من الناس، حتى أجراها الله تعالى على يدها عين زبيدة الواقعة في وادي نَعْمَان الكبير نحو 36كم شرق مكة المكرمة في أسفل جبل كرا من الناحية الغربية.
مقترح محمية زبيدة
وأضاف: "المحمية المقترح إنشاؤها تهدف إلى حماية وإنماء حوض الوادي وروافده، والحد من تدهوره البيئي وازدهار طبيعته النباتية والحيوانية، والعمل على إنشاء مشاريع تطويرية جديدة قائمة على أسس الاستثمار في الأنشطة الترويحية والثقافية، مثل تطوير مناطق مفتوحة في الوادي لغرض تنزه سكان المنطقة، ووجهة سياحية للحجاج والمعتمرين ومختلف الزوار من داخل وخارج المملكة. بالإضافة إلى إنشاء متحف خاص لعين زبيدة وخرزاتها.
وأوضح أنه صُممت هذه العين بطريقة انسيابية، وعُملت لها قناة ممتدة إلى عرفات تُحيط بجبل الرحمة، ومن هناك تمتد إلى جبل خلف المأزمين، ثم إلى مزدلفة، ثم تسير القناة حتى منى وتصب في بئر عظيمة مطوية تسمى بئر زبيدة (بئر المظلمة)، وإليها ينتهي عمل هذه القناة، ومن خلال الوقوف على مسار العين وخرزاتها تبين أن معالمها ما زالت قائمة حتى الآن، تُغذى العين من وادي نَعْمان ابتداءً من جبل كرا، ولوحظ أن مجرى العين في الوادي يسير تحت الأرض بعمق يصل إلى أكثر من 45م، وأقيمت على الأجزاء الواقعة تحت الأرض عدة خرزات (عيون تفتيش)، لا تظهر إلا عند الاقتراب من عرفات، وهذه الخرزات بأشكال وأحجام مختلفة منها: الأسطوانية، والمسدسة، والمثمنة، والمقببة الدائرية ذات الرقبة. ويقدر عددها بنحو 132خرزة منها حوالي 82 خرزة قبل دخول القناة إلى مشعر عرفات، وحوالي 20 خرزة داخل عرفات، وما يقارب 22 خرزة في المنطقة الواقعة بين عرفات ومزدلفة، ونحو 8 خرزات داخل مشعر مزدلفة.
مواد البناء المستخدمة في العين
استخدمت في بناء الخزانات مواد بنائية مختلفة، مثل: الحجر، والآجر، وزينت من الداخل والخارج بالجص والنورة، وجاء معظم سطح الخزانات بشكل دائري، وبالوسط فتحة جاءت على شكل مربع، بني الجزء العلوي من الخرزة بطي مربع، أما الجزء السفلي فالغالب جاء بطي دائري، كما أن في الكثير من الخرزات درجات حجرية يتم من خلالها الصعود إلى سطح الخرزة، أما داخل الخرزات فهناك فتحات صغيرة بين الحجارة تسهل عملية النزول إلى قاع الخرزة. وجميع الخرزات بُنيت بناءً محكماً، يدل على ذلك بقاء معالم هذه العين ماثلة حتى الوقت الحاضر، مما يؤكد رقي الفن المعماري وتقدمه الذي وصلت إليه الحضارة الإسلامية في ذلك الوقت.
وأضاف يصل طول القناة من منبعها حتى بستان بنونة إلى أكثر من 35 كم، أما عرض سطح القناة من الأعلى فيصل في بعض المواضع إلى (نحو المتر) وأحياناً يزيد على ذلك. وعلى القناة غطاء من الحجارة به فتحات لأخذ المياه ولتنظيف القناة. وقد تجلت في قناة هذه العين ودربها عبقرية المعماري المسلم، لهذا يتوجب القيام بدراسات علمية معمقة حول العين ومعالمها، حيث إنها بقيت تقاوم التاريخ حتى يومنا هذا.
تطوير عين زبيدة
وقال في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله تم الاهتمام بشكل كبير بعين زبيدة، حيث قام الملك بدعم هيئة عين زبيدة التي أُنشئت في سنة 1295ه/1878م لتطوير خدمات العين، كما أصدر في سنة 1343هـ/1925م توجيهاته بالعمل بإجراء ما يلزم إجراؤه لضمان تدفق المياه إلى مكة المكرمة، فتم تشغيل (ماكينة) لنقل المياه من قناة العين إلى منى لإرواء الحجاج. وفي سنة 1344ه/1925م أمر الملك عبد العزيز بتعمير ما تخرب من القناة وخرزاتها وذلك بعد سيل عظيم اجتاحها، وقام بزيارة وادي نَعْمان بنفسه للوقوف على أعمال الإصلاح والتجديد، وفي سنة 1345هـ/1926م أمر بإنشاء مبنى في وادي نَعْمان لسكنى عمال عين زبيدة، ولا يزال هذا المبنى بطرازه المعماري المميز قائماً حتى الآن، ويصل عمره إلى 98 سنة.
بعد ذلك توالت الإصلاحات على عين زبيدة، وفي سنة 1372هـ/1952م صدر الأمر السامي بأن تكون إدارة عين زبيدة والعين العزيزية بمكة دائرة واحدة تدار من قبل هيئة منتخبة، فقامت بإنشاء خط المواسير لعين زبيدة من عرفات إلى مكة، بدلاً من الدبول القديمة، وذلك لإيصال الماء إلى جميع أحياء مكة المكرمة.
المصدر: موقع العربية
أضف تعليقا