هكذا حافظ كارل لاغرفيلد على إرث شانيل العظيم
يكاد يكون إسم كارل لاغرفيلد مرادفاً لعلامة شانيل تماماً مثل كوكو شانيل نفسها. فالمصمم الراحل لعب دوراً أساسياً في المحافظة على إرث الدار منذ ثمانينات القرن الماضي، أي منذ أن انضم للعمل في الدار، حيث صرح في العام 1983 أنه "سعيد بالعمل لمدة 16 ساعة من كل يوم". تمكن المصمم من تخطي الإنتاج البطيء للعلامة آنذاك لملابس الهوت كوتور، ومن قولبة شانيل لتصبح علامة عصرية في الثمانينات مع تصاميمه الأولى التي استوحاها من صيحات العشرينات والثلاثينات، مبتعداً حينها عن ألوان الباستيل والبذلات ذات أشكال المربعات التي اشتهرت بها الدار الفرنسية في الخمسينات، وقد كانت خطوة غير متوقعة ولكنها أفلحت للغاية.
كان لاغرفيلد يعي بأن شانيل تحتاج الى أن تدفع نحو العصرية، واستقدم الكثير من مساعديه لإتمام هذه المهمة، ولكنه في كل ما ابتكره، أظهر إحترام تام لإرث الدار. حافظ المصمم على كل بصمات كوكو شانيل من كل النواحي وفي شتى الجوانب، أكان على صعيد الأقمشة المترفة أو التصاميم الفارهة أو الحياكة الماهرة. فحين بدأ كارل بالعمل في شانيل، ورث سبعين عاماً من الأناقة الفاخرة، ولكن بوقتها، كانت الدار تتصارع في البحث عن هوية جديدة بعد أن توفيت مؤسستها وتركت وراءها فراغ كبير. لاغرفيلد الذي توفي هذا الشهر، عن عمر يناهز الـ85 عاماً، استخدم العناصر التي اشتهر بها شانيل وتركتها غابرييل، عدل بها، ودمجها بالعصرية.
تحت إشرافه، شانيل تحولت من إسم ثمين ومؤثر، الى ماكينة موضة تساوي 10 مليار دولار، وبات إسمها تعريفاً للفخامة العصرية. نجح لاغرفيلد بالحفاظ على صورة الدار كمرادفاً للترف الفاخر، مع التصاميم المصنوعة من التويد والبذلات الراقية التي تعرف بها العلامة والمستحضرات التجميلية المذهلة. أما رمز شانيل الذي يظهر حرفي C متشابكين، والذي صمم في الثلاثينات، فقد استخدمه المصمم بطرق لا تعد ولا تحصى أثناء إمساكه دفة الإدارة الإبداعية. أما المنحى الذي اتخذه في تصميم عروض أزيائه بأفكار تخطف الأنفاس، فقد ساهم بإعادة الإعتبار للموضة ككل، حيث أظهر أن هذا المجال ضخم بحجم عمل مسرحي، بدل، من تقديم مجموعاته بطرق تقليدية تجعلها تبدو تجارة كأي تجارة أخرى.
من ناحية أخرى، كان كارل لاغرفيلد يعشق الملهمات، اللواتي شكلن مصدر وحي لنظرته الإبداعية أمثال كلوديا شيفير وكيت موس وفيرجيتتي ليدوين اللواتي انضممن الى عرض شانيل للملابس الجاهزة لتشكيلة خريف 2009 في باريس على سبيل المثال. لم يبق لاغرفيلد إرث شانيل محصوراً بالعروض والتصاميم فقط، بل حرص أيضاً أن تبقى تصاميم الدار في شتى المناسبات الفاخرة على أكثر النجمات رقياً في حفلات من Academy Awards، ودوماً ما كان بصدد ابتكار لحظات موضوية لا تنسى. عرضه الأخير كان لتشكيلة كوتور لربيع وصيف 2019، حيث حول قاعة Grand Palais في باريس الى وجهة صيفية ساحرة مع حوض سباحة وفيلا. لم يظهر في العرض لينحني أمام جمهوره كما هي العادة هذه المرة، بل رأينا خليفته فيرجيني فيارد ترحب بالحضور... وهي اليوم في مهمة كبيرة ولديها مكانة ضخمة لتشغرها وتحدي كبير في حمل إرث كارل لاغريلد وشانيل ككل الى آفاق جديدة.
أضف تعليقا