رجل يتبرع بدمه 60 عاماً إيفاءً بالعهد ويساعد في إنجاب حوالي مليوني طفل
أقدم رجل أسترالي على التبرع بدمه أكثر من 1173 مرة، مسجلاً رقماً قياسياً في التبرع بالدم، إذ أنقذ أكثر من مليوني طفل حول العالم.
وقالت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إن جيمس هاريسون، البالغ من العمر 81 عاماً، يحمل جسماً مضاداً ثميناً يستخدم في صنع دواء يحارب مرض «الريسوس لدى الأطفال، ما ساعد عدداً هائلاً منهم.
والريسوس عبارة عن عدم توافق دم الأم مع دم الجنين، إذ تُدمر الأجسام المضادة في السيدة الحامل خلايا دم طفلها، ويؤدي هذا المرض إلى مشاكل عند الولادة، وفقر دم لدى الجنين بمعظم الأوقات.
وبعدما عرف هاريسون أنه يملك جسماً مضاداً يحارب هذا المرض بالذات، قام بالتبرع بدمه لأكثر من مليوني طفل، وعرف باسم «رجل ذو ذراع ذهبية» بسبب حجم التبرعات الذي لم يسبق له مثيل.
ودخل هاريسون موسوعة جينيس للأرقام القياسية لأكثر رجل تبرع بالدم في العالم، وحاز على ميدالية شرف من الحكومة الأسترالية.
وقال هاريسون: «لقد أنقذت الكثير من الأرواح في العالم، وهذا الأمر يشعرني بالسعادة العارمة».
وتبرع هاريسون بالدم لأول مرة عام 1957، واكتشف الأطباء الخصائص النادرة والمميزة لدمه بعدما أجرى عملية لاستئصال رئته عندما كان في الـ14 من عمره، وقام بآخر تبرع الأسبوع الماضي، ذلك لأن عمره لم يعد مناسباً لخسارة كميات كبيرة من الدم.
بداية القصة:
عام 1951، أفاق الطفل الأسترالي، جيمس هاريسون «14 عاماً»، بعد عملية كبيرة بالصدر؛ إذ أزال الأطباء إحدى رئتيه في عملية استغرقت عدة ساعات، وأبقوه في المستشفى 3 أشهر، هاريسون ظل حياً بفضل الكمية الكبيرة من الدم المنقول التي حصل عليها، حينها أخبره والده أنه حصل على 13 وحدة من الدم، وأُنقذت حياته من قِبل أشخاص غير معروفين.
في ذلك الوقت، نصت القوانين الأسترالية على أنه يجب أن يكون المتبرع بالدم قد جاوز عمره الـ18 عاماً على الأقل، وكان أمام هاريسون 4 أعوام أخرى ليُسمح له قانوناً بالتبرع بالدم، لكنه قطع عهداً على نفسه بأنه سيصبح أيضاً متبرعاً بالدم حين يبلغ السن القانونية.
حين بلغ هاريسون 18 عاماً وفى بوعده، وتبرَّع بدمه بشكل منتظم لمنظمة الصليب الأحمر الأسترالية، ولم يكن يحب الإبر، لذا أبعد عينيه عنها على الدوام، وحاول تجاهل الألم كلما أُدخلت هذه الإبر إلى ذراعه.
وحتى عام 1967 كانت هناك حالات إجهاض لآلاف من المواليد بأستراليا أو إصابتهم بتشوهات في الدماغ كل عام، وتبيَّن أن الأطفال كانوا يعانون فقر دم انحلالياً يصيب المواليد الجدد، أو ما يعرف بـHDN، بسبب الحمل من أصحاب فصيلة الدم «Rh سالب» بأجنّة لها فصيلة الدم «Rh موجب»، وعدم التوافق هذا أدى إلى رفض جسد الأم خلايا الدم الحمراء للجنين.
أدرك الأطباء أنه بإمكانهم منع حالة HDN من الحدوث، عن طريق حقن المرأة الحامل بدواء يصنع من بلازما الدم المتبرع بها والتي تحتوي على أجسام مضادة نادرة.
دمه علاج سحري
فتَّش الباحثون بنوك الدم تفتيشاً مكثفاً لعلهم يعثرون على شخص يحتوي دمه على هذه الأجسام المضادة، ووجدوا المتبرع في نيو ساوث ويلز، جيمس هاريسون، الذي لم يتردد حين خاطبه العلماء وطلبوا منه المشاركة فيما سيُعرف باسم برنامج Anti-D لإنتاج مصل يحمل هذا الاسم، باستخدام البلازما المشتقة من دمه.
قال هاريسون لصحيفة Sydney Morning Herald: «طلبوا مني أن أكون فأر اختبار، وقد تبرعت بالدم بانتظام منذ ذلك الحين»، ومُنحت أول جرعة لامرأة حامل في مستشفى Royal Prince Alfred عام 1967، وفقاً لروبين بارلو، منسقة برنامج Rh، التي وجدت هاريسون
60 عاماً من التبرع
استمر هاريسون في التبرع بدمه لأكثر من 60 عاماً، واستُخدمت البلازما المشتقة من دمه لصنع ملايين الحقن من الـAnti-D، وفقاً للصليب الأحمر، لأن نحو 17% من النسوة الحوامل بأستراليا بحاجة لهذه الحقن، تقدِّر خدمات الدم بالصليب الأحمر أن هاريسون ساعد ما يقرب من 2. 4 مليون طفل في البلاد.
ما زالت الحيرة تعتري العلماء حول السبب الذي يجعل جسد هاريسون ينتج هذه الأجسام المضادة النادرة، لكنهم يعتقدون أنها مرتبطة بوحدات الدم المنقولة التي حصل عليها حين كان مراهقاً.
عندما يدخل مركز التبرع بالدم، يحييّ الممرضات اللاتي يعرفنه جيداً، ويبعد نظره عن يديه حين يدخلون الإبرة، ويقضي مدة الموعد ممسكاً بكُرة تفريغ ضغط برتقالية في يده اليمنى.
لا يعتقد أنه مميز
في مرحلة ما، اكتسب لقب «الرجل ذو الذراع الذهبية»، إلى جانب أوسمة عديدة، كبيرة وصغيرة، ابتداءً من ميدالية الشرف الأسترالية عام 1999 إلى غلاف مجلة yellow pages المحلية في 2013.
عام 2003، دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، لكن كان يقول دائما، إن أكثر الأشياء إرضاءً بالنسبة له، هم الأطفال الذين ساعد في إنقاذهم، من بينهم أحفاده.
كتبت تريسي ميلوشيب، ابنة هاريسون، على فيسبوك، أبريل 2018: «سأكون مجحفة إن قلت إني فخورة بجيمس والدي»، مشيرة إلى أنها كانت بحاجة لحقنة Anti-D عام 1992، بعد ولادة ابنها الأول، مضيفة: «بفضل أبي، تمكنت من إنجاب طفل صحيح آخر عام 1995، شكراً لك أبي، لأنك منحتني الفرصة لإنجاب طفلين صحيحين، هما حفيداك».
يوم الجمعة 11 مايو 2018، قطع هاريسون رحلته الأخيرة لمركز التبرع بالدم، بعمر 81 عاماً، ليتجاوز السن المسموح بها للمتبرعين، وقررت خدمات الدم أنه يجب عليه التوقف.
حين كان جالساً على مقعد التبرع طارت فوقه 4 بالونات فضية كُتب عليها «1173»، احتفاء بعدد المرات التي تبرع فيها بالدم خلال حياته، إذ قدِم العديد من الآباء إلى المستشفى احتفاءً بالمناسبة، حاملين بعض الأطفال الذين ساعد تبرُّعه بالدم في إنقاذهم.
أضف تعليقا