تاريخ مجموعات الكروز وقصة رواجها
أزاح القرن الواحد والعشرون ستار الترف عن أزياء الرحلات، المعروفة بالـCruise Collection وResort Collection، لتغزو حتّى متاجر علامات الأزياء الجاهزة الصناعيّة، وقد كانت في زمنٍ غابر حكراً على الدور الفاخرة وعملائها النخبويّين. قصّة مجموعة ما بين الموسمين، لا بل اليوم كلّ المواسم، نفصّل في التالي ظروف نشأتها ثمّ ركودها فإعادة إطلاقها على نطاقها الأوسع.
على خطى كوكو شانيل
في بدايات موضة الرحلات البحريّة، أواخر القرن التاسع عشر، كان أسياد وسيّدات الطبقة المخمليّة يعبرون المحيطات، إلى وجهات الدفء هرباً من برد وقتامة الشتاء، وبرفقتهم حقائب سفر مدموغةٌ بشعار الدار الفرنسيّة الشهيرة Louis Vuitton، محمّلة بقطعٍ فاخرة هي نفسها التي كانوا يتألّقون فيها خلال سهراتهم أو يتأنّقون فيها خلال نهاراتهم على مدار السنة.
موضة العطلات هذه لم يخبُ وهجها، بل لمع قبيل الحرب العالميّة الأولى بالغاً أوج ألقه في ثلاثينيّات القرن الماضي، إلّا أنّ هذه الأزياء تحرّرت كباقي خطوط الأناقة آنذاك، ورائدتها، إلى جانب الفرنسيّ جان باتو Jean Patou، مبتكرة سروال البحّارة وتصميم البيجاما الخاصّ بالشاطئ، غابرييل كوكو شانيل. عندما افتتحت متجرها الباريسيّ عام 1913، لم تكن تملك المال الكافي لشراء الحرير والساتان، تبعت ذلك الحرب الكبيرة التي حدّت من تجارة الحرير؛ فكان من Mademoiselle Chanel أن لجأت إلى خامة الجيرسيه المحبوك، الذي جرت عادة استخدامه لصناعة الثياب التحتيّة الخاصّة بالرجال، خامةٌ غير رسميّة وجدت طريقها إلى الأزياء العمليّة التي أطلقتها.
ولربّما أوّل ذكرٍ علنيّ لمجموعة ما بين الموسمين أو Pre-collection صدر في مجلّة Vogue بنسختها الأميركيّة عام 1919، عندما اقترحت كوكو شانيل على عميلاتها اللواتي يمضين عطلاتهنّ في وجهاتٍ مشمسة، كالريفييرا الفرنسيّة، مقرّ منزلها La Villa Pausa وملاذها وإحدى مصادر إلهامها، مجموعة أزياء تختلف عن خطّ موسم البرد وقيود الخياطة الراقية بأقمشتها الخفيفة وتصاميمها الرياضيّة المريحة.
أسماء من تاريخ الكروز
في خمسينيّات القرن المنصرم، خَفَت بريق موضة أزياء الرحلات، ليعود لاحقاً في الستّينيّات مع إسمٍ قد لا يعرفه إلّا قلائل، الأميركيّة ليلي بوليتزر Lilly Pulitzer، سيّدة الطبعة الصارخة، التي ابتكرت تصاميمها الفريدة حين كانت تعمل في كشكٍ يبيع عصير البرتقال على شاطئ Palm Beach، وأوقعت العصير على ثيابها الباستيليّة الألوان... ولإصلاح هذه الحادثة، أزالت كمَّيّ زيّها للإيحاء بإطلالةٍ غير ملطّخة، ممّهدةً لسلسلة تصاميم من ابتكارها زاد عليها الطلب أكثر من العصير. فأسّست علامتها عام 1959، وكانت السيّدة الأولى آنذاك جاكي كينيدي Jackie Kennedy من أخلص عميلاتها وأيقونةً لتصاميمها، تمثّلت بها سيّدات عائلات الولايات المتّحدة الميسورة، اللواتي كنّ يتألّقن بقطع هذه العلامة في رحلاتهنّ البحريّة.
أمّا رالف لورين Ralph Lauren، الذي كان يشتهر بربطات عنقه الفاخرة المصنوعة يدويّاً، فلم تلبث أن اقترنت داره وحتّى اليوم بقميص البولو Polo Shirt، الذي أطلقه عام 1972، وبات رفيق أسياد الطبقة الراقية في رحلاتهنّ الاستجماميّة ما بين الموسمين، حيث كانت ألعاب البولو على قائمة النشاطات التي كانوا يمارسونها.
لاحقاً في التسعينيّات، فيما كان طوني مارغوليس وبوب أمفيلد يمضون عطلتهما على شاطئ خليج فلوريدا، جذبهما أسلوب أزياء هذه الجزيرة، نقطة جذب العديد من أثرياء أميركا الشماليّة. فكان أن أسّسا مع لوتشيو دالّا غاسبيرينا قميص هاواي الحريريّ والسروال المفصّل المريح، ليصبحا ختم علامة طومي باهاما Tommy Bahama، عام 1992، إسم شخصيّة خياليّة باتت مرجعاً لأزياء الشاطئ والرحلات.
هويّة مجموعة
في قاموس الأناقة، يشير مصطلح Cruise Collection أو Resort Collection أو حتّىHoliday Collection، وبالفرنسيّة Collection Croisière، إلى خطّ أزياء يُطلَق مرّةً سنويّاً بين موسمَيّ الأزياء الجاهزة، ويُطرح في الأسواق خلال شهر نوفمبر. أمّا التصاميم التي تقدّمها هذه المجموعة، فتتميّز بأقمشتها الخفيفة والربيعيّة، كالقطن والحرير والبوبلين، التي يسهل توضيبها في حقائب الرحلات، لخفّة وزنها وصغر حجمها؛ فيما تمنح ألوانها الزاهية وطبعاتها المرحة مَن يرتديها في عطلاته فرصةً للتعويض عن رماديّة الأجواء الشتويّة في البلد المقيم فيه.
في الأصل، كان هذا الخطّ من الأزياء موجّهاً إلى طبقة الأثرياء من أميركا الشماليّة، الذين كانوا يبحرون في الشتاء إلى مناطق الدفء في أميركا الوسطى والجنوبيّة، كشواطئ هاواي Hawaii وسواها، ومن أوروبا، وكانوا يقصدون وجهات منطقة البحر المتوسّط الدافئة، نذكر منها سان تروبيه Saint-Tropez، في الريفييرا الفرنسيّة.
مع إطلاق كارل لاغرفيلد عرض Chanel السنويّ لمجموعة الكروز عام 2000، وتبعته كُبرى الدور العالميّة، ولاحقاً مع تقديم Yves Saint Laurent مجموعة سنويّة خاصّة بالرجال عام 2006، في سابقةٍ في تاريخ الموضة، باتت لهذا الخطّ أهدافٌ مختلفة وعملاء جدد، على نطاقٍ عالميّ أوسع، وعلى امتدادٍ زمنيّ يتخطّى مدّة طرح كلٍّ من مجموعتيّ موسميّ الخريف/الشتاء والربيع/الصيف للأزياء الجاهزة. فما سرّ هذه النقلة النوعيّة في تاريخ أناقة النخبة؟
حصّة الأسد
في عصرٍ يمتاز جيله بالسفر على مدار السنة، ويتربّع فيه الفرو على الأكتاف في عروض موسم الربيع والصيف، لا عجب في أن تجول قبّعات القشّ وقمصان هاواي والسراويل القصيرة والأزياء الكاكيّة والصنادل في المتاجر في كلّ المواسم. بالتوازي، مع موجة تبدّل خطوط الموضة السريع، إلى جانب العولمة والانفتاح على كلّ جديد في إمبراطوريّة الأناقة، لا ينفكّ عشّاق هذه الأخيرة يبحثون في رفوف بوتيكاتهم المفضّلة عن آخر الإصدارات وبأسعار مقبولة. وفيما لا تكلّ العلامات التجاريّة عن ملء واجهاتها بتشكيلاتٍ جديدة خاصّة بكلّ موسم، تُنذر فترة التنزيلات في كلّ مرّة بخطر ملل الزبائن من أزياء موسمٍ قاتم كالشتاء.
فما كان من دور الأزياء العالميّة إلّا أن أعادت مجموعة أزياء الرحلات إلى ساحة العروض السنويّة، وسارت على دربها علامات الأزياء الجاهزة الصناعيّة مثل H&M وZara، إنّما مع إعادة إطلاق مصطلح الـPre-collection أو الـPre-fall، مجموعة ما قبل الخريف أو ما بين الموسمين، كرديفٍ للـResort والـCruise؛ مغطّيةً بالتالي فترةً زمنيّة هي الأطول من بين مواسم الأزياء الجاهزة، من أكتوبر/نوفمبر إلى فبراير/مارس أو حتّى يونيو من كلّ عام، يستمتع في اقتنائها الزبون الميسور كما ذو الدخل المحدود، وفي الأسفار كما في البلد الذي يقيم فيه، منتقلاً بسلاسة وأناقةٍ متجدّدة من برد ورماديّة الشتاء إلى دفء ومرح الصيف.
على أنّ هذا الاستثمار يُدِرّ اليوم أرباحاً تتخطّى نسبة الـ60 % من مجموع عائدات دورٍ عالميّة مثل Louis Vuitton وChanel وDior وGucci. خطّ أزياء جاهزة يترحّل اليوم من وجهة استجمام إلى أخرى ومن أيقونة رحلات إلى أخرى، ويُخصَّص لهذا الهدف سنويّاً رصيدٌ طائل من الأموال.
أيقوناتٌ ووجهات
بعدما اكتست بدلة التويد الشهيرة بخامةٍ أخفّ وزناً بأنامل مصمّم Chanel الأسطورة، كارل لاغرفيلدKarl Lagerfeld، وبعدما اكتسبت قصّة سترة بار Bar Jacket نعومةً وليونةً وتقلّصت أمتار قماش تنّورة الـNew Look بإبداع مصمّم Dior الحداثة المستقيل، راف سيمونز Raf Simons، أصبحت تصاميم الدور العالميّة تتماهى مع مفهوم الرحلات المعاصر وأزياء ما بين الموسمين، كما ومع كلّ بلدٍ يستضيف مجموعتها للكروز كمصدر إلهام ووجهة استقطاب سياحيّة وترويجيّة للعلامة نفسها في آن.
وفي كلّ محطّةٍ موسميّة، يُبحر كارل لاغرفيلد إلى وجهةٍ عزيزةٍ على قلب مؤسّسة الدار الفرنسيّة. وهل كان أفضل من "الجانب الآخر من الفردوس"، على حدّ قوله، الريفييرا الفرنسيّة، ليستوحي مجموعة ريزورت 2012 منها ويعرضها في فندقها الشهير Hôtel du Cap، حيث لم تفارق تصاميمه بصمات ضيفَيّ النُزُل الدائمين فيما مضى: نجمة الشاشة الذهبيّة ريتا هاوورث Rita Hayworth وعلي خان؟
أمّا مونتي كارلو Monte Carlo، وأيقونتها الأميرة غرايس دو موناكو Princess Grace of Monaco، فكانت وجهة مجموعة Dior Cruise 2014، مستوحاة من قِصّة أناقة جمعت غرايس كيلي بكريستيان ديور على مدى سنوات، حدثُها الأبرز تألُّق الأخيرة بثوبٍ حمل توقيع مُطلِق الـNew Look، بمناسبة ارتباطها بالأمير رينييه دو موناكو، عام 1956.
أخيراً، أبهرت Gucci جمهورها باختيارها مقرّ Westminster Abbey البريطانيّ، لعرض مجموعة Resort 2017، هو الشاهد على تتويج الملكة إليزابيث الثانية وأحداثٍ ملكيّة بارزة، والامتداد النابض لفنّ الـPunk والحقبة الفكتوريّة، بحسب مفهوم مصمّم التشكيلة الإيطاليّ أليسّاندرو ميشيلAlessandro Michele.
أضف تعليقا